هل يُقاتل الكفار لكفرهم أم لحربهم وكونهم من أهل الحرب؟



س411: هل يُقاتل الكفار لكفرهم أم لحربهم وكونهم من أهل الحرب .. يُرجى إفادتنا وجزاكم الله خيراً ؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. الراجح الذي دلت عليه نصوص الشريعة وأقوال جمهور أهل العلم أن الكفار يُقاتلون لحربهم وكونهم من أهل الحرب والقتال؛ بدليل أن الشارع حرم قصد قتل نساء، وأطفال، وشيوخ الكافرين، وكذلك الرهبان المنقطعين للعبادة، والعسيف، والعبيد، وغيرهم من أهل الاستضعاف الذين لا حول لهم ولا قوة .. فهؤلاء لا يجوز قصدهم بالقتال إلا من ظهر منهم أنه من أهل المشورة والقتال.

قال تعالى:)وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً( أي انفروا لقتال المشركين كافة كما هم ينفرون لقتالكم كافة .. فأمامنا إذاً فريق يُقاتل .. ويجمع كافة صفوفه القادرة على القتال للقتال .. فهؤلاء هم الذين أمرنا الله تعالى بقتالهم كافة ومجتمعين كما يُقاتلوننا هم كافة ومجتمعين.

كما أن قوله تعالى )وقاتلوا( من الصيغ التي تفيد وجود الطرف الآخر المقاتل الذي يجب أن يُقاتَل .. أما أهل الاستضعاف من الأصناف الآنفة الذكر .. فهم ليسوا من أهل القتال ولا الحراب .. فكيف يُقاتلون ..؟!

لذا لو جاز قتلهم لما أمر الله تعالى بقتالهم وإنما أمر بقتلهم على أي وصف كانوا عليه، ولكن لما جاء الأمر بصيغة )وقاتلوا( علمنا أن من كان ليس أهلاً للقتال، وليس له دور في القتال .. لا يُقاتل. 

إضافة إلى ذلك فإن الجزية وكذلك العهد والأمان .. كل ذلك يمنع من قتال الكفار والمشركين؛ لأنها تسلب عنهم صفة المحاربين المقاتلين .. وتدخلهم في عداد المسالمين الآمنين .. فلو كان الكافر يُقاتل لكفره من غير حراب لما قُبلت منه الجزية؛ لأن وصف الكفر ملاصق له قبل الجزية وبعدها .. ولكن لما كان بعد الجزية صاغراً مسالماً غير محارب .. كُف عن قتاله وقُبلت منه الجزية على ما هو عليه من الكفر.

ويُقال كذلك: إن القول بقتال الكافر لكفره يتعارض مع قوله تعالى:)لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( .. فالكافر ـ إن أبى الدخول في الإسلام ودفع الجزية ـ يُقاتل لأطره للطاعة والخضوع لحكم الله .. ومنعه من أن يكون عقبة أمام الدعوة إلى الله .. وأمام دخول الناس أفواجاً في دين الله .. والجزية هي الدليل المعبر عن هذا الخضوع والطاعة والسلام .. فإن تحقق ذلك .. كُفت الأيدي عن القتال .. وقيل لا إكراه في الدين .. لهم دينهم ولنا دين.

قال ابن تيمية رحمه الله في القتاوى 20/101: فأبو حنيفة رأى أن الكفر مطلقاً إنما يُقاتل صاحبه لمحاربته، فمن لا حراب فيه لا يُقاتل، ولهذا يأخذ الجزية من غير أهل الكتاب العرب وإن كانوا وثنيين، وقد وافقه على ذلك مالك وأحمد في أحد قوليه.

وأما أحمد فالمبيح عنده أنواع، أما الكافر الأصلي فالمبيح عنده هو وجود الضرر منه، أو عدم النفع فيه، أما الأول فالمحاربة بيد أو لسان، فلا يُقتل من لا محاربة فيه بحال من النساء والصبيان؛ والرهبان، والعميان، والزمنى ونحوهم، كما هو مذهب الجمهور، وأما المرتد فالمبيح عنده هو الكفر بعد الإيمان، وهو نوع خاص من الكفر ا- هـ.

وقال رحمه الله في الفتاوى 28/354: وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة؛ كالنساء، والصبيان، والراهب، والشيخ الكبير، والأعمى، والزمن، ونحوهم فلا يُقتل عند جمهور العلماء؛ إلا أن يُقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب؛ لأن القتال هو لمن يُقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال تعالى:) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة:190.

وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم: أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه، قد وقف عليها الناس، فقال:"ما كانت هذه لتقاتل" وقال لأحدهم:"إلحق خالداً فقل له: لا تقتلوا ذرية، ولا عسيفاً".

وفيهما أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:"لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة" ا- هـ. والعسيف هو الأجير الذي لا يملك من أمره شيء.

قلت: فمذهب الجمهور ـ كما يقول شيخ الإسلام ـ أن لا يُقتل من لا محاربة فيه بحال من النساء والصبيان، والرهبان، والعميان، والزمنى ونحوهم .. وهذا يعني أن الكافر ـ عند أحمد والجمهور ـ يُقاتل لحرابه لا لكفره .. ولا يُستثنى إلا المرتد، وهذا الذي استصوبه وحسنه شيخ الإسلام، والله تعالى أعلم.

وإني لأعجب من إخوانٍ أكثروا الجدال حول هذه المسألة .. وصنفوا فيها المصنفات والمطولات .. ومنهم من عقد الولاء والبراء عليها .. وكأنهم في مرحلة قد انتهوا فيها ـ من المتفق عليه ـ من جميع مراحل جهاد دفع العدو الصائل الذي يستولي على العباد والبلاد .. ومن جهاد طواغيت الأرض وما أكثرهم .. أو من جهاد المحاربة المقاتلة من الكفار والمجرمين وما أكثرهم .. وقد ازدحمت بهم الأرض .. ولم يبق أمامهم سوى الأطفال والنساء، والشيوخ، والعميان، والزمنى، وغيرهم ممن لا حول لهم ولا قوة .. ليشتغلوا بجهادهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!!